ملخص المقال
مع بشائر الخيرات وقدوم رمضان يعقد الإعلام المرئي العزم ألا يفوت الفرصة لاستغلالها في الخيرات وترك المنكرات
مع بشائر الخيرات وقدوم رمضان يعقد الإعلام المرئيّ العزم ألا يفوِّت الفرصة لاستغلالها في الخيرات وترك المنكرات، بل أصبح الإعلام العربي -في أغلبه- رسولاً للشياطين المصفَّدة، كما عبّر الرسم الكاريكاتيري ، وألا يجعلوا الأعين تطرف بعناوين مثيرة مثل: "رهان الفضائيات على شاشة رمضان"، "الشاشات المصرية لكبار النجوم"، "الأعمال التليفزيونية الأردنية حاضرة بقوة في رمضان"، "التلفزيون السوري يعرض 27 مسلسلاً يوميًّا في رمضان". ثم يتنبه البعض إلى "شياطين القنوات الغنائية لا تنام في رمضان" - " الكليبات الملتزمة مقدمة لتصحيح الأوضاع" - "وبرلمانيون مصريون يطالبون بمنع الرقص والكليب في الخيم الرمضانية.
في رمضان تصفد الشياطين، ولكن هناك "إخوان الشياطين" من الإنس لا قيد لهم ولا شرط، يقدم رمضان ومعه الرحمات، ولكن وجدنا من لا يريد أن يهنأ الصائم القائم بالسكينة، فقد صام عن الطعام والشراب وما صامت جوارحه عن معصية الله التي يعرض عليه ليلاً ونهارًا، وهو يقضي الليل قائمًا لا ليتبتل لله في الثلث الأخير من الليل، بل مشدودًا بما يطرحه التلفزيون من عبث يختصرها الكاريكاتير المرفق الذي أغنى عن كثير من الأقوال من منوعات ورقصات، وخيام رمضانية تعرض الجسد العاري والكلمة العارية وتزيين الرذائل، وفي نهاية القائمة نجد مسلسلاً يدخل وسط الزحام في قناة من القنوات، يظل المسلم يبحث عنه وعن وقت البث حتى يملَّ فيغلق التلفزيون طواعية؛ لأنه لا يريد إفساد صيامه بعد أن ضل الطريق، أو بعض برامج لدعاة معروفين باحترامهم وتأثيرهم، أو القنوات التي يقصدها من يريدون أن يعرفوا طريقهم إلى الجنة، كما يرفعها شعار "قناة الناس" الذي لاقى انتقادًا من الليبراليين؛ لأنها لا تعرض أفلام "الجحيم" أو "الرعب في أسفل الجحيم"، فهل تقدم مثل هذه الأفلام خريطة للجحيم؟
القنوات التي تحمل الهمّ الديني، والتي يشرف عليها فضلاء من هذه الأمة، والتي تقود إلى الجنة، والتي تحفظ للمسلم عبادته وسلوكه لطريق الهُدى، وقِيَمَه التي افتقدها في الحياة العامة، هذه القنوات أنارت ليالي رمضان بالخيرات والكلمة الطيبة، ولكن تظلّ قليلة التأثير أمام الغثاء الذي عمت به البلوى ويطفح به التلفزيون، فهي قنوات لا تهدف للبيع غالبًا، وقامت بتوفيق الله، رغم ما يعانيه غالبها من مشكلات مادية، جعلت بعضها يتوقف ويعتذر عن الاستمرار.
أصحاب الوعي في هذه الأمة حذروا من "علمنة رمضان"، حيث ارتبط رمضان في ذاكرة الأمة بالانتصارات والعزة والكرامة فهو شهر الملاحم، والارتباط بين الصيام والصبر في معارك الأمة، ولكن الإعلام العربي المفسد عمل على تفتيت الارتباط الحيوي بين الشهر الكريم وعظمة الأمّة.
وما بين الواقع المر ورغبات الإصلاح، نجد "قطّاع الطريق إلى الله" كما وصف بعض الفضلاء، وفي مثل هذا الشهر يسعون في الأرض فسادًا لإضاعة أجر الشهر، بل تجريده من محتواه؛ فالإعلام كما تصف ساخرة الأستاذة إكرام الزايد الكاتبة والإعلامية السعودية "إثم كبير ومنافع للناس"؛ حيث يفرض علينا من خلال شاشات التليفزيون "مشاهد ساخنة"، أو مصطلحات إباحية عبر أغنية أو "حوار ساخن" أو في "فيلم سينمائي" أو مشهد درامي يحمل "إيحاءات جنسية"، أو يفضح الجريمة، ولكن لم يستطع معالجتها إلا بإبراز العري والإغراء، بل وصل الأمر إلى المجاهرة بالمعصية في موقف درامي كان يمكن أن يعالج تلميحًا لا تصريحًا، فمن أجل المخدرات "باع المدمن زوجته لمن سيعطيه الهروين"، كل هذا مسئولية من؟ ومن المسئول عن صدِّ هذا السيل الجارف من الإعلام المتدني الذي يخاطب الغريزة؟
قدسية رمضان والأهواء
إن شهر رمضان يفقد قدسيته لدى الكثيرين فيصبح شهرًا يقدم الجديد الذي يحجب طيلة العام ثم يطلق في الشهر الكريم، لماذا؟ لأنه شهر الاستغلال الدعائي المتميز، وكل ليالي رمضان أوقات ذروة ما عدا أوقات الصلوات التي تصبح "بركة" لدى المسلمين في بقاع العالم، حيث تهفو إلى الحرمين قلوب العباد، وإن كانت قنوات العبث الإعلامي لا يصدها قيام ولا صيام، بل كثير من النجوم الأرضية يشترطون العرض الرمضاني، ويختارون الأعمال التي تشكل عامل جذب للشباب والصغار، ونعجب من الشعار الذي طيرته بعض القنوات "رمضان يجمعنا"، والذي يعنون به سيل الإعلام الذي لا ينتهي على مدار الساعة، مع أن الآراء الاجتماعية وجدت أن الإعلام الترفيهي يفرِّق الأسرة؛ فلا يوجد الحوار، ويجلسون أمام المسلسلات -على اختلاف الأعمار- صامتين تركزت أعينهم على الشاشة وتقطعت العلائق بينهم، وأنصاف الواعين لا يشاهدون التلفزيون وهم صيام نهارًا!! فهم في نوم طويل؛ لأنّ مقصد الشرع من الصوم مفقود لديهم، ويفصلون بين الجوع والعطش وقول الزور والعمل به.
هجمة إذن تنتزع من النفوس هيبة الحرام والإغواء الدائم والحيل التي لا تقاوم، وحسبنا أن نعلم أن شبكات الإعلام الإباحية تشكل حسب الدراسات العربية التي أظهرت أن أكثر من 92% من الدراما والأفلام العربية تركّز على العلاقات غير الشرعية وتبررها!!
الإعلام العربي بلا هوية
للأسف الشديد ليس في إعلامنا مراعاة للمراحل العمرية المختلفة فيما يقدم من فن، على اعتبار أن الفن وسيلة للإصلاح والبناء، ونعجب أن الغرب له آلية للعرض ونحن نفتقدها، كما نفتقد الرشد في ترشيد بيع السجائر للصغار، آلية عرض الأفلام في الغرب تتم حسب درجة العري للفيلم فالغربيون ـ مع ما هم فيه من بعد عن الدين والقيم ـ إلا أنهم حريصون على ألا يكون المواد الإعلامية المقدمة للطفل تحوي الجنس والعنف ، أما إعلامنا فلا توجد فيه هذه الدرجة من التحوط والحرص، فالقنوات الغربية تضع علامات قبل بث الفيلم مثل "للبالغين فقط" For Adults only أو للكبار فقط بمقدار ما فيه من مشاهد مثيرة أو عنيفة، أو توضع على الشاشة عبارة أن الفيلم غير ملائم للأطفال دون الثامنة عشرة ، ونحن لدينا موروث قيمي كبير يضع لنا المحاذير التي تقوض دعائم المجتمع المسلم
خطوات مفقودة
لا بد أن يتحرك قادة ورموز المجتمع الإعلاميين والمثقفين وعلماء الدين العاملين وعلم النفس وكافة المسئولين، ويبحثوا لإيجاد حلّ من الداخل بحيث تتنحي المنفعة الخاصة المتمثلة في التسويق والبيع، أو بعبارة أدق: (التوزيع)، فإننا نرى بعض الصحف المطروحة في الأسواق تهدف إلى التوزيع والكسب المادي فقط دون حمل رسالة أو مضمون هادف، ووجود هذا النمط من الصحافة مع انتشار سياسة التعميم يؤثر بالسلب علي صورة الصحافة الخاصة، خاصة أن كثيرًا من الصحف -وحتى القومية- تميل لسياسة التقليد، وتدخل في حلبة السباق المحموم حيث نراها تعرض صورًا فاضحة أو عناوين مثيرة بهدف التوزيع، وتصرخ أصوات كثيرة: من يوقف سيل إعلام الإثارة والجنس؟ ولا نجد إجابة فاعلة، كما تذكر الدكتورة نجوى كامل وكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة.
التعليقات
إرسال تعليقك